فصل: بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ:

(السَّفَرُ الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ: أَنْ يَقْصِدَ الْإِنْسَانُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَمَشْيِ الْأَقْدَامِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ كَمَالَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا» عَمَّتْ الرُّخْصَةُ الْجِنْسَ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عُمُومُ التَّقْدِيرِ، وَقَدَّرَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَالشَّافِعِيُّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي قَوْلٍ، وَكَفَى بِالسُّنَّةِ حُجَّةً عَلَيْهِمَا (وَالسَّيْرُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْوَسَطُ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ التَّقْدِيرُ بِالْمَرَاحِلِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْفَرَاسِخِ، هُوَ الصَّحِيحُ (وَلَا يُعْتَبَرُ السَّيْرُ فِي الْمَاءِ) مَعْنَاهُ لَا يُعْتَبَرُ بِهِ السَّيْرُ فِي الْبَرِّ، فَأَمَّا الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَحْرِ فَمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ كَمَا فِي الْجَبَلِ.
قَالَ: (وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ رَكْعَتَانِ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِمَا).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَرْضُهُ الْأَرْبَعُ وَالْقَصْرُ رُخْصَةٌ، اعْتِبَارًا بِالصَّوْمِ، وَلَنَا أَنَّ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَا يُقْضَى، وَلَا يَأْثَمُ عَلَى تَرْكِهِ، وَهَذَا آيَةُ النَّافِلَةِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ، لِأَنَّهُ يُقْضَى (وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَجْزَأَتْهُ الْأُولَيَانِ عَنْ الْفَرْضِ، وَالْأُخْرَيَانِ لَهُ نَافِلَةٌ) اعْتِبَارًا بِالْفَجْرِ، وَيَصِيرُ مُسِيئًا لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ (وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَهَا بَطَلَتْ) لِاخْتِلَاطِ النَّافِلَةِ بِهَا قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِهَا.
الشرح:
بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ:
الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ كَمَالَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي مَسْحِ الْخُفَّيْنِ، قَوْلُهُ: عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَقَصَرْنَا.
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، أَنَّ عَلِيًّا خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ: إنَّا لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا خَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ رَأَى خُصًّا، فَقَالَ: لَوْلَا هَذَا الْخُصُّ لَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْت: وَمَا الْخُصُّ؟ قَالَ: بَيْتٌ مِنْ قَصَبٍ، انْتَهَى.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ وِقَاءَ بْنِ إيَاسٍ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ، وَنَحْنُ نَنْظُرُ إلَى الْكُوفَةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ يَنْظُرُ إلَى الْقَرْيَةِ، فَقُلْنَا لَهُ: أَلَا تُصَلِّي أَرْبَعًا؟ قَالَ: لَا، حَتَّى نَدْخُلَهَا، انْتَهَى.
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ تَعْلِيقًا مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ، فَقَالَ: وَخَرَجَ عَلِيٌّ، فَقَصَرَ، وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ، فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الْكُوفَةُ، قَالَ: لَا، حَتَّى نَدْخُلَهَا، انْتَهَى.
وَرَوَى أَيْضًا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بُيُوتِ الْمَدِينَةِ، وَيَقْصُرُ إذَا رَجَعَ حَتَّى يَدْخُلَهَا. انْتَهَى.
(وَإِذَا) (فَارَقَ الْمُسَافِرُ بُيُوتَ الْمِصْرِ) (صَلَّى رَكْعَتَيْنِ)، لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تَتَعَلَّقُ بِدُخُولِهَا فَيَتَعَلَّقُ السَّفَرُ بِالْخُرُوجِ عَنْهَا، وَفِيهِ الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَقَصَرْنَا (وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَصَرَ)، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مُدَّةٍ، لِأَنَّ السَّفَرَ يُجَامِعُهُ اللُّبْثُ، فَقَدَّرْنَاهَا بِمُدَّةِ الطُّهْرِ، لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ مُوجِبَتَانِ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْخَبَرِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْبَلْدَةِ وَالْقَرْيَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الْمَفَازَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ، فِي بَلْدَةٍ، أَوْ قَرْيَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَوْ أَكْثَرَ وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَصَرَ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْخَبَرِ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُمَا، قَالَا: إذَا قَدِمْتَ بَلْدَةً، وَأَنْتَ مُسَافِرٌ، وَفِي نَفْسِك أَنْ تُقِيمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَكْمِلْ الصَّلَاةَ بِهَا، وَإِنْ كُنْت لَا تَدْرِي مَتَى تَظْعَنُ، فَاقْصِرْهَا. انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا عَمْرُو بْنُ ذَرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ إذَا أَجْمَعَ عَلَى إقَامَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَتَمَّ الصَّلَاةَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذَا كُنْتَ مُسَافِرًا فَوَطَّنْتَ نَفْسَكَ عَلَى إقَامَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَأَتْمِمْ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي، فَاقْصِرْ الصَّلَاةَ، انْتَهَى.
وَقَدَّرَهَا الشَّافِعِيُّ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ نَوَاهَا صَارَ مُقِيمًا، وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ أَنَسٍ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ، مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ، وَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ: قُلْت: كَمْ أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَلَا يُقَالُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ عَزَمُوا عَلَى السَّفَرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ، وَاسْتَمَرَّ بِهِمْ ذَلِكَ إلَى عَشْرٍ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمْ نَوَوْا الْإِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِأَجْلِ قَضَاءِ النُّسُكِ، نَعَمْ كَانَ يَسْتَقِيمُ هَذَا لَوْ كَانَ الْحَدِيثُ فِي قَضِيَّةِ الْفَتْحِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَكَانَ فِي الْفَتْحِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، أَقَامَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ.
وَالْآخَرُ: حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ، وَكَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِيهِ: حَدِيثُ أَنَسٍ يُخْبِرُ عَنْ مُدَّةِ مُقَامِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَإِنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ يَوْمُ الْأَحَدِ، وَبَاتَ بِالْمُحَصَّبِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ، وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَعْمَرَتْ عَائِشَةُ مِنْ التَّنْعِيمِ، ثُمَّ طَافَ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَوَافَ الْوَدَاعِ، سَحَرًا قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، وَخَرَجَ صَبِيحَتَهُ، وَهُوَ الرَّابِعَ عَشَرَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ مُدَّةِ مُقَامِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَكَّةَ زَمَنِ الْفَتْحِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ سَبْعَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ».
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِسْنَادُهَا عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا مُرْسَلَةٍ ضَعِيفَةٍ: خَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَهِيَ أَيْضًا ضَعِيفَةٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ: بِأَنَّ مَنْ رَوَى تِسْعَةَ عَشَرَ، عَدَّ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَمَنْ رَوَى سَبْعَةَ عَشَرَ، تَرَكَهُمَا، وَمَنْ رَوَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، عَدَّ أَحَدَهُمَا، انْتَهَى.
(وَلَوْ دَخَلَ مِصْرًا عَلَى عَزْمِ أَنْ يَخْرُجَ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ وَلَمْ يَنْوِ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ حَتَّى بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ قَصَرَ)، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَقْصُرُ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ (وَإِذَا دَخَلَ الْعَسْكَرُ أَرْضَ الْحَرْبِ فَنَوَوْا الْإِقَامَةَ بِهَا قَصَرُوا، وَكَذَلِكَ إذَا حَاصَرُوا فِيهَا مَدِينَةً أَوْ حِصْنًا)، لِأَنَّ الدَّاخِلَ بَيْنَ أَنْ يَهْزِمَ فَيَقِرَّ وَبَيْنَ أَنْ يَنْهَزِمَ فَيَفِرَّ، فَلَمْ تَكُنْ دَارَ إقَامَةٍ (وَكَذَا إذَا حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ مِصْرٍ، أَوْ حَاصَرُوهُمْ فِي الْبَحْرِ)، لِأَنَّ حَالَهُمْ مُبْطِلٌ عَزِيمَتَهُمْ، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِحُّ فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ، لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْقَرَارِ ظَاهِرًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِحُّ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِ الْمَدَرِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إقَامَةٍ.
(وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَأِ وَهُمْ أَهْلُ الْأَخْبِيَةِ، قِيلَ: لَا تَصِحُّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ، فَلَا تَبْطُلُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى.
الشرح:
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرَ، وَكَانَ يَقْصُرُ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ ذَلِكَ.
قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: اُرْتُجَّ عَلَيْنَا الثَّلْجُ، وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فِي غَزَاةٍ، وَكُنَّا نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا سَنَدٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، بِبَعْضِ بِلَادِ فَارِسٍ، سَنَتَيْنِ، فَكَانَ لَا يَجْمَعُ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى.
أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ، نَحْوَهُ.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَقَامَ بِالشَّامِّ شَهْرَيْنِ مَعَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِي سَنَدِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الْمُثْنَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّا نُطِيلُ الْقِيَامَ بِخُرَاسَانَ، فَكَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ أَقَمْت عَشَرَ سِنِينَ، انْتَهَى.
(وَإِنْ اقْتَدَى الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِ فِي الْوَقْتِ أَتَمَّ أَرْبَعًا)، لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ إلَى أَرْبَعٍ لِلتَّبَعِيَّةِ كَمَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لِاتِّصَالِ الْمُغَيِّرِ بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ (وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي فَائِتَةٍ لَمْ تُجْزِهِ)، لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الْوَقْتِ لِانْقِضَاءِ السَّبَبِ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَيَكُونُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ.
(وَإِنْ صَلَّى الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِينَ رَكْعَتَيْنِ سَلَّمَ، وَأَتَمَّ الْمُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ)، لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ الْتَزَمَ الْمُوَافَقَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَيَنْفَرِدُ فِي الْبَاقِي كَالْمَسْبُوقِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ تَحْرِيمَةً لَا فِعْلًا، وَالْفَرْضُ صَارَ مُؤَدًّى فَيَتْرُكُهَا احْتِيَاطًا، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ، لِأَنَّهُ أَدْرَكَ قِرَاءَةَ نَافِلَةٍ فَلَمْ يَتَأَدَّ الْفَرْضُ فَكَانَ الْإِتْيَانُ أَوْلَى.
الشرح:
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشَّامِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَكُنَّا نُصَلِّي أَرْبَعًا، وَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامُوا بِرَامَهُرْمُزَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ. انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَفِيهِ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَاحْتَجَّ بِهِ، مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ مُسْنَدَةٌ:
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا، يَقْصُرُ الصَّلَاةَ»، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: غَيْرُ مَعْمَرٍ لَا يُسْنِدُهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ مَعْمَرٌ بِرِوَايَتِهِ مُسْنَدًا، وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى عَنْ ابْنِ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، لَا يَقْدَحُ فِيهِ تَفَرُّدُ مَعْمَرٍ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ حَافِظٌ، فَزِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصَّلَاةَ»، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، تَفَرَّدَ بِهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ»، فَنَحْنُ إذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: سَبْعَ عَشْرَةَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي تِسْعَ عَشْرَةَ، وَسَبْعَ عَشْرَةَ، وَأَصَحُّهَا عِنْدِي: تِسْعَ عَشْرَةَ، وَهِيَ الَّتِي أَوْدَعَهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، فَأُخِذَ مَنْ رَوَاهَا، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَهُوَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَاهُ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمَعْرِفَة: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، فَمَنْ رَوَى تِسْعَ عَشْرَةَ، عَدَّ يَوْمَ الدُّخُولِ، وَيَوْمَ الْخُرُوجِ، وَمَنْ رَوَى سَبْعَ عَشْرَةَ، لَمْ يَعُدَّهُمَا، وَمَنْ رَوَى ثَمَانِ عَشْرَةَ، عَدَّ أَحَدَهُمَا، قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ»، فَقَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَسَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ، لَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ قَوْلِهِ، انْتَهَى.
قَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ) (لِلْإِمَامِ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ): «لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَهُ حِينَ صَلَّى بِأَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ مُسَافِرٌ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ صَلَّى بِأَهْلِ مَكَّةَ، وَهُوَ مُسَافِرٌ: أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدْتُ مَعَهُ الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً، لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ، يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، صَلُّوا أَرْبَعًا، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَلَفْظُ الطَّيَالِسِيِّ قَالَ: «مَا سَافَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرًا قَطُّ، إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى يَرْجِعَ، وَشَهِدْت مَعَهُ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ، وَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، حَجَجْت مَعَهُ، وَاعْتَمَرْت، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ»، ثُمَّ حَجَجْت مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَاعْتَمَرْت، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، ثُمَّ حَجَجْت مَعَ عُثْمَانَ، وَاعْتَمَرْت، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ، انْتَهَى.
وَزَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: «وَشَهِدْت مَعَهُ الْفَتْحَ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً، لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ»، وَقَالَ فِيهِ: وَحَجَجْت مَعَ عُثْمَانَ سَبْعَ سِنِينَ، مِنْ إمَارَتِهِ، فَكَانَ لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّاهَا بِمِنًى أَرْبَعًا، انْتَهَى.
أَثَرٌ عَنْ عُمَرَ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَانَ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى بِأَهْلِ مَكَّةَ الظُّهْرَ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، انْتَهَى.
(وَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي مِصْرِهِ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمُقَامَ فِيهِ)، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَصْحَابَهُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ وَيَعُودُونَ إلَى أَوْطَانِهِمْ مُقِيمِينَ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ جَدِيدٍ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ، وَيَعُودُونَ إلَى أَوْطَانِهِمْ، مُقِيمِينَ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ جَدِيدٍ».
قُلْت: لَمْ أَجِدْ لَهُ شَاهِدًا، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا دَخَلَ مِصْرَهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ عَدَّ نَفْسَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ».
قُلْت: يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَنَسٍ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ، قِيلَ: كَمْ أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا»، انْتَهَى.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَقَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ»،انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: «غَزَوْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدْت الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ، يَقُولُ يَا أَهْلَ مَكَّةَ، صَلُّوا أَرْبَعًا، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ»، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: «أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ بِمَكَّةَ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، فَأَتَاهُ بِلَالٌ بِوُضُوئِهِ، قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ فَتَوَضَّأَ، وَأَذَّنَ بِلَالٌ، فَجَعَلْت أَتَتَبَّعُ فَاهُ، هَاهُنَا وَهَاهُنَا، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: ثُمَّ أُرْكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ، فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ، لَا يَمْنَعُ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: «سَافَرْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَة وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَمَعَ عُمَرَ، كُلُّهُمْ صَلَّى حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ، إلَى أَنْ رَجَعَ إلَيْهَا، رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسِيرِ، وَفِي الْمُقَامِ بِمَكَّةَ»، انْتَهَى.
(وَمَنْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ فَانْتَقَلَ عَنْهُ وَاسْتَوْطَنَ غَيْرَهُ، ثُمَّ سَافَرَ فَدَخَلَ وَطَنَهُ الْأَوَّلَ قَصَرَ)، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ وَطَنًا لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ عَدَّ نَفْسَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ، وَهَذَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْوَطَنَ الْأَصْلِيَّ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ دُونَ السَّفَرِ، وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ وَبِالسَّفَرِ وَبِالْأَصْلِيِّ (وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَمِنًى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ)، لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّيَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهَا فِي مَوَاضِعَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْهُ، إلَّا إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِاللَّيْلِ فِي أَحَدِهِمَا فَيَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ فِيهِ، لِأَنَّ إقَامَةَ الْمَرْءِ مُضَافَةٌ إلَى مَبِيتِهِ.
(وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ قَضَاهَا فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَمَنْ فَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ قَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا)، لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ آخِرُ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ.
(وَالْعَاصِي وَالْمُطِيعُ فِي سَفَرِهِمَا فِي الرُّخْصَةِ سَوَاءٌ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفِيدُ الرُّخْصَةَ، لِأَنَّهَا تَثْبُتُ تَخْفِيفًا، فَلَا تَتَعَلَّقُ بِمَا يُوجِبُ التَّغْلِيظَ.
وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ، وَلِأَنَّ نَفْسَ السَّفَرِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ مَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَوْ يُجَاوِرُهُ فَصَلَحَ مُتَعَلِّقُ الرُّخْصَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرح:
أَحَادِيثُ الْقَصْرِ رُخْصَةٌ أَوْ عَزِيمَةٌ:
اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ عَزِيمَةٌ، بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا حَدِيثُ «عَائِشَةَ، قَالَتْ: فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَتْ: «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ، فَأَتَمَّهَا فِي الْحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الْأُولَى»، انْتَهَى.
زَادَ فِي لَفْظٍ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْت لِعُرْوَةِ: فَمَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ؟، قَالَ: إنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: قَالَتْ: «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، فَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْأَوَّلِ»، انْتَهَى.
ذَكَرَهُ بَعْدَ الْمَنَاقِبِ، فِي بَابِ مِنْ أَيْنَ أَرَّخُوا التَّارِيخَ، وَهَذَا الرِّوَايَةُ تَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّ زِيَادَةَ الصَّلَاةِ فِي الْحَضَرِ كَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ، انْتَهَى.
وَأَجَابَ الْخَصْمُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ لَا رِوَايَةٌ، وَبِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْمَفْرُوضِ الْأَوَّلِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، بِلَفْظِ: «افْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، كَمَا افْتَرَضَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عُمَرَ، قَالَ: «صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ، عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَلَمْ يَقْدَحْهُ بِشَيْءٍ، وَلَكِنْ اعْتَرَضَهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ بِأَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا، فَقَالَ: وَابْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُمَرَ. انْتَهَى.
وقَوَّى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، بِأَنَّ ابْنَ مَاجَهْ أَخْرَجَهُ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مُسْلِمًا حَكَمَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ بِسَمَاعِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ عُمَرَ، فَقَالَ: وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَقَدْ حَفِظَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. انْتَهَى.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَهُ، قَالَ: خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى مَكَّةَ، فَاسْتَقْبَلَنَا أَمِيرُ مَكَّةَ، الْحَدِيثَ، بَلْ صَرَّحَ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانَا، وَنَحْنُ ضُلَّالٌ، فَعَلَّمَنَا، فَكَانَ فِيمَا عَلَّمَنَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ»، انْتَهَى.
قَالَ فِي تَنْقِيحِ التَّحْقِيق: هَكَذَا عَزَاهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى لِلنَّسَائِيِّ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَدِينِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُتِمُّ لِلصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، كَالْمُقْصِرِ فِي الْحَضَرِ»، انْتَهَى.
وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ بِأَنَّ بَقِيَّةَ مُدَلِّسٌ، وَشَيْخُ الدَّارَقُطْنِيِّ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُفْلِسِ، وَكَانَ كَذَّابًا، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُفْلِسِ هَذَا، بِآخَرَ، وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ بْنِ الْمُفْلِسِ الْحِمَّانِيُّ، وَهُوَ كَذَّابٌ وَضَّاعٌ، قَالَ: وَالْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ فِي رُوَاتِهِ مَجْهُولًا، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: «قُلْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا}، فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: فَاقْبَلُوا رُخْصَتَهُ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، وَلَيْسَ بِالْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: أَغَارَتْ عَلَيْنَا خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُهُ يَتَغَدَّى، فَقَالَ: اُدْنُ، وَكُلْ، فَقُلْتُ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ: إذَنْ أُخْبِرْك عَنْ الصَّوْمِ، إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ، وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنْ الْحَامِلِ، وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ، فَيَا لَهْفَ نَفْسِي أَنْ لَا أَكُونَ طَعِمْتُ مِنْ طَعَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَا يُعْرَفُ لِأَنَسٍ هَذَا، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْعَلَاءِ بْن زُهَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ، حَتَّى إذَا قَدِمَتْ مَكَّةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي، أَنْتَ وَأَمِّي قَصَرْتَ وَأَتْمَمْتُ، وَأَفْطَرْتَ وَصُمْتُ، قَالَ: أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ، وَمَا عَابَ عَلَيَّ»، انْتَهَى.
وَالْعَلَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ مَا لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، كَذَا قَالَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ أَيْضًا، فَتَنَاقَضَ كَلَامُهُ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِهِ، وَلَفْظُهُمَا، قَالَتْ: «خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ، فَأَفْطَرَ، وَصُمْتُ وَقَصَرَ، وَأَتْمَمْتُ، فَقُلْت: بِأَبِي وَأَمِّي أَنْتَ»، الْحَدِيثَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ أَنَّ هَذَا الْمَتْنَ مُنْكَرٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي رَمَضَانَ قَطُّ، انْتَهَى.
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَاعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَ، كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، إلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ إشْكَالٌ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَعْتَمِرْ إلَّا أَرْبَعَ عُمَرَ، كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقِعْدَةِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَدْرَكَ عَائِشَةَ، وَدَخَلَ عَلَيْهَا، وَهُوَ مُرَاهِقٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْصُرُ فِي الصَّلَاةِ، وَيُتِمُّ، وَيُفْطِرُ، وَيَصُومُ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. انْتَهَى.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُمَرَ وَدَلَّهُمْ بْنِ صَالِحٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ، وَثَلَاثَتُهُمْ ضُعَفَاءُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ، فَقُلْت لَهَا: لَوْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَتْ: يَا ابْنُ أَخِي إنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ، انْتَهَى.
وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ يُعَارَضُ هَذَا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}»، انْتَهَى.
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ فِي آخَرِ الْأَمْرِ، كَمَا أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْهُ، وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ سَالِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِ بِمِنًى: وَغَيْرُهُ رَكْعَتَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ رَكْعَتَيْنِ، صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا. انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْجَمْعِ بَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ، حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَعْجَلَ بِهِ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ، حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ، حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ: «كَانَ إذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي سَفْرَةٍ سَافَرَهَا، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ».
انْتَهَى زَادَ فِي رِوَايَةٍ: بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ، قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْت سَعِيدًا لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ، كَمَا سَأَلْتنِي، فَقَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: «مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ».
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رِوَايَةُ: مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ، رَوَاهَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَجُمْهُورُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ: مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ، وَهُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَبَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، قَالَ: قُلْت: فَمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ»، انْتَهَى حَدِيثٌ لِأَصْحَابِنَا: أَسْنَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَنَا فِي التَّحْقِيقِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَنَشٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ»، انْتَهَى.
وأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَنَشُ بْنُ قَيْسٍ ثِقَةٌ. انْتَهَى.
قَالَ فِي تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ: لَمْ يُتَابَعْ الْحَاكِمُ عَلَى تَوْثِيقِهِ، فَقَدْ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الرَّحَبِيُّ الْمَعْرُوفُ بِحَنَشٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَا يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ وَقَالَ: حَنَشُ بْنُ قَيْسٍ الرَّحَبِيُّ أَبُو عَلِيٍّ وَلَقَبُهُ حَنَشٌ، كَذَّبَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ، وَتَرَكَهُ ابْنُ مَعِينٍ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: جَمْعُ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ الْكَبَائِرِ، انْتَهَى.
قَالَ: وَأَبُو الْعَالِيَةِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْعَدَوِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى عَامِلٍ لَهُ: ثَلَاثٌ مِنْ الْكَبَائِرِ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَالنُّهْبَى، قَالَ وَأَبُو قَتَادَةَ أَدْرَكَ عُمَرَ، فَإِذَا انْضَمَّ هَذَا إلَى الْأَوَّلِ صَارَ قَوِيًّا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْعُذْرُ يَكُونُ بِالسَّفَرِ وَالْمَطَرِ، وَتَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْوَارِدَ فِي الْحَدِيثِ، عَلَى أَنَّهُ صَلَّى الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا، وَالثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، لَا أَنَّهُ صَلَّاهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَقَوَّى ذَلِكَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ وَقْتِهَا، إلَّا بِجَمْعٍ، فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، بِجَمْعٍ، وَصَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ مِنْ الْغَدِ قَبْلَ وَقْتِهَا»، انْتَهَى.
وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقِظَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ، حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى»، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ: وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ»، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ»، قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إلَى ذَلِكَ؟، قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ، قَالَ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَّا، وَلَا مِنْهُمْ، بِجَوَازِ الْجَمْعِ فِي الْحَضَرِ، قَالَ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَأْخِيرِ الْأُولَى، وَتَعْجِيلِ الْأُخْرَى، قَالَ: وَأَمَّا عَرَفَةُ وَجَمْعٌ فَهُمَا مَخْصُوصَانِ بِهَذَا الْحُكْمِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.